Khazen

 

 من هم الكهنة؟

 

 

 

 

 

الكهنة هم منتدبو المسيح الرأس ليبنوا ويشيدوا جسده كلّه أي الكنيسة، كمعاونين للدرجة الأسقفية. فعلى هذا الأساس يجعلهم سر الكهنوت على شبه المسيح الكاهن وبتكريسهم بالمعمودية نالوا علامة الدعوة وهبة النعمة اللتين تمكناهم وتضطرانهم إلى السعي رغم الضعف البشري وراء الكمال. الكهنة بقبولهم الكهنوت كرسوا لله بصورة جديدة ليكونوا أدوات حيّة بيد المسيح الكاهن الأبدي ليواصلوا العمل العجيب الذي به رمم الجماعة البشرية بأجمعها. ومن ثم فلما كان كلّ كاهن يقوم على طريقته مقام المسيح نفسه، فهو بحكم ذلك مجهز بنعمة خاصة، فتمكّنه من السعي إلى كمال ذاك الذي يمثله، وبواسطة هذه النعمة أيضاّ يجد ضعفه الإنساني بقداسة ذاك الذي صار لأجلنا الكاهن الأعظم.

إن المسيح الذي قدّسه الأب، قد بذل نفسه عنّا ليفتدي ويطهر من كل خطيئة شعباً يخصّه، كذلك الكهنة، فإنهم إذ تكرسوا بمسحة الروح القدس وأرسلهم المسيح يميتون في أنفسهم أعمال الجسد ليكونوا بكلّيتهم في خدمة الناس.

 تلك هي القداسة التي يؤتيهم المسيح إياها وبها يدنون من الإنسان الكامل، فبممارستهم إذاً خدمة الروح والبرً يتأصّلون في الحياة الروحية، و إن ما يرتّب حياتهم نحو الكمال إنما هو أعمالهم الليتورجية في كل يوم، و خدمتهم بأسرها يقومون بها بالشركة مع الأسقف والكهنة.

إلى ذلك، فإن قداسة الكهنة عنصر جوهري لكي يخصبوا الخدمة التي يقومون بها. فإنّ هذا المجمع المقدس رغبةً منه في بلوغ غايته الراعوية من تجدد الكنيسة في الداخل، ونشر الإنجيل في العالم كله والحوار مع عالم اليوم.

إنّ وسيلة الكهنة الصحيحة لبلوغ القداسة إنما هي ممارستهم الصادقة ويبدون ما كلل لوظائفهم في روح المسيح. و لما كانوا خدام كلمة الله كان عليهم أن يقرأوها ويسمعوها كلّ الأيام لكي يعلّموها للآخرين. وإذا حرصوا في الوقت نفسه على أن يتقبلوها في أنفسهم فإنهم يصيرون تلاميذ المسيح الكاملين أكثر فأكثر، وإذ يسعون إلى الطريق الفضلى ليبلغوا الغير ما تأملوا فيه، هم أنفسهم، يتذوقون على أكمل وجه غنى المسيح الذي لا مثل له، وحكمة الله في تنوعها، وباعتقادهم أن الرب هو الذي يفتح القلوب وإن تفوقهم إنما هو من قدرة الله لا من أنفسهم، فإنهم يجدون في نقل الكلمة بالذات إتحاد أوثق مع المسيح المعلم وبقيادة روحه. وباتحادهم هذا بالمسيح يشتركون في محبة الله التي ظهر سرّها المحجوب منذ الدهور في المسيح.

وبحكم كون الكهنة خدام الليتورجية ولا سيما في ذبيحة القداس فإنهم يمثلون فيها المسيح بشخصه الذي قرب نفسه ذبيحةً من أجل تقديس الناس فهم من ثم مدعوون إلى الإقتداء بما يتممون  فيجب عليهم أن يعنوا بإماتة أعضائهم محترسين من الرذائل ومن كل ميل فاسد.

ويتمتع الكاهن بصفات لا بد منها في خدمة الكهنة الراعوية، الإستعداد الباطن الذي يجعلهم يطلبون لا مشيئتهم الذاتية با مشيئة الله، فإن العمل الإلهي الذي دعاهم له الروح القدس يفوق جميع قوى الإنسان وحكمته كلها، و خادم المسيح الحقيقي هو الإنسان الذي يعي ضعفه فيعمل في التواضع ويميّز ما يرضي الرب وعلى كونه مكبّل من الروح القدس، فإنه ينقاد في كل شيء لمشيئة الله، ولكن لماّ كانت الخدمة الكهنوتية هي خدمة الكنيسة فلا يمكن القيام بها إلاّ بشركة الجسد النظاميّة بأسره.

 

 ÙˆØ¥Ø°Ø§Ù‹ فالمحبة الراعوية هي التي تدفع الكهنة باسم هذه الشركة ان يكرسوا بالطاعة الخاصة لخدمة الله وخدمة إخوتهم وإن يتقبل وينفذ بروح الإيمان أوامر وإرشادات البابا وأسقفهم وسائر رؤسائهم وأن يبذلوا أنفسهم في جميع الوظائف التي أنيطت بهم مهما كانت وضيعة وفقيرة. فبهذه الوسيلة يحفظون ويعززون الوحدة التي لا بد منها بينهم وبين إخوتهم في الخدمة ولا سيماالذين أقامهم الرب على الكنيسة رؤساء منظورين وبهذه الوسيلة أيضاً يسهمون في بنيان جسد المسيح، وهذه الطاعة تفضي بهم إلى أن يعيشوا في حرية أبناء الله بصورة أنضج. فالكهنة تدفعهم مستلزمات الطاعة على أن يعرضوا بثقة المبادرات التي اتخذوها وأن يشددوا على حاجات القطيع الذي ائتمنوا عليه مع الإستعداد المستمر لأن يخضعوا لحكم الذين هم في كنيسة الله المسؤولون الأولون.

فهذا التواضع وهذه الطاعة الحرة المسؤولة تنحتان في الكاهن صورة المسيح، بهذه الطاعة غلب وافتدى عصيان أدم.

العفة والعزوبية هما من صفات الكاهن الأساسية. إن ممارسة العفة الكاملة والدائمة من أجل ملكوت السماوات قد أشاد بها المسيح الرب وطوال القرون و في أيامنا أيضاً تقبًلها كثيرون من المسيحيين بفرح ومارسوها بدون ملامة وقد أولتها الكنيسة جليل تقديرها في الحياة الكهنوتية خصوصاً. ذلك بأنها علامة المحبة الراعوية وحافزها معاً وهي خصوصاً ينبوع خصب روحي في العالم.

 ÙÙ„ا شك في أنّ طبيعة الكهنوت لا تستلزمها بدليل ما جرت عليه الكنيسة الأولى وتقليد الكنائس الشرقية. ففي هذه الكنائس كهنة يختارون بموهبة النعمة أن يحافظوا على العزوبة وهو ما يفعله جميع الأساقفة. وإنما فيها أيضاً كهنة متزوجون أجرهم كبير وإذ يوصي هذا المجمع المقدس بالعذوبة الأكليركية. فإنه لا ينوي البتة تعديل النظام المخالف القائم في الكنائس الشرقية، وإنما يحرض بكل عطفه الرجال المتزوجين الذين رسموا كهنة على الثبات في دعوتهم المقدسة وفي تكريس حياتهم تكريساً كاملاً سخياً للقطيع الذي ائتمنوا عليه.

بيد أنّ العذوبة تليق بالكهنوت من وجوه عديدة. فأسرة الكاهن هي الإنسانية الجديدة التي يلدها في العالم المسيح والتي يعود أصلها إلى إرادة الله. فالكهنة باعتناقهم البتولية أو العزوبة من أجل ملكوت السموات يكرسون أنفسهم للمسيح على وجه خاص وامتياز خاص، و يشهدون هكذا على مرأى الناس أنهم يريدون وقف أنفسهم بدون ما انقسام على المهمة التي ائتمنوا عليها.

المجمع المقدس يدعو إذن ليس الكهنة فقط بل جميع المسيحيين إلى الحرص على هذه الموهبة الثمينة، موهبة العذوبة الكهنوتية وأن يسألوا الله أن يمنّ بها دائماً على كنيسته.

إنّ حياة الصداقة والأخوة بين الكهنة وبينهم وبين سائر الناس تتيح لهم أن يكرموا القيم الإنسانية وأن يعتبروا الأشياء المخلوقة عطايا من الله. إنهم يعيشون في العالم وإنما عليهم مع ذلك أن يعلموا أنهم ليسوا من العالم وإذ يستخدمون هذا العالم وكأنهم لا يستخدمونه في الحقيقة. فإنهم يبلغون الحرية التي تخلع عنهم جميع الهموم المنحرفة وتجعلهم متأهبين لسماع الله الذي يكلمهم من خلال الحياة اليومية. فإن هذين الحرية والتأهب ينميان حاسة التمييز الروحي الذي يرشد إلى الموقف العدل تجاه العالم والأشياء الأرضية، وإنّه لموقف جوهري يقفه الكاهن لأن رسالة الكنيسة تتم في قلب العالم. ولأن الأشياء ضرورية لترقي الإنسان الذاتي، فعلى الكهنة إذن أن يشكروا الآب السماوي على كل ما ينيرهم ليمكّنهم من الحياة، حياة سوية.

ولكن لا بدّ أيضاً من أن يساعدهم نور الإيمان في استخدامهم حاسة التمييز في ما يصادفهم في طريقهم، فيتّصل هكذا إلى استخدام متاعهم بصورة عادلة وإقصاء كل ما من شأنه أن يعرقل رسالتهم. فالكهنة إنما لهم الرب قسمة وميراث بحيث لا ينبغي استخدام الأشياء المخلوقة إلاّ في ما تبيحه شريعة المسيح الرب.

وأما ما هو من أمر أموال الكنيسة بالمعنى الخاص، فعلى الكهنة أن يديروها بحسب طبيعتها وقوانين الكنيسة، وليكن ذلك ما أمكن بمعاونة العلمانيين الأكفاء وتستعمل هذه الأموال على الدوام في الغايات التي تبرر وجود الخيور الزمنية بيد الكنيسة، أي في تنظيم العبادة الإلهية وضمانة المستوى اللائق بمعيشة الكهنة ومساندة أعمال الرسالة والبرّ وخصوصاً عوز المعوزين، فيستخدمه الكهنة والأساقفة ليؤمنوا أولاً لأنفسهم مستوى حياة كاف، ويتمم واجبات حالاتهم وأما الباقي فليحرصوا على استعماله في خدمة الكنيسة أو في أعمال البر ولا يجوز لوظيفة كنسية أن تنقلب سبيلاً للكسب ولا للعائدات الناتجة منها أن تستخدم للمزيد في ثروة الكاهن أو ثروة  أسرته.

لكي يعيش الكهنة اتحادهم مع المسيح عيشة صميمية في جميع أحوال الحياة فإنّ لهم عددا" من الوسائل منها العامّ والخاصّ، والقديم والحديث.

وبين هذه الوسائل التي تنمي الحياة الروحية تحتلّ الافعال التي بها يتغذّى المؤمنون من كلمة اللّه على مائدتي الكتاب المقدّس والافخارستيا محلّ الصدارة.

إنّ خدّام النعمة الرية يتّحدون بالمسيح المخلّص والراعي اتّحادا" وثيقا"، عندما يقبلون الأسرار قبولا" مثمرا"، ولا سيّما الاعتراف السرّي المتواتر: فالاعتراف المهيّأ بفحص الضمير اليومي، سند ثمين لتوجيه القلب الذي لا بدّ منه، نحو حب اللّه ابي المراحم. فيمكنهم، على ضوء الايمان المغذّى بالكتاب المقدّس، ان ينشدوا بانتناه علامات اللّه ونداءات نعمته من خلال تنوّع أحداث الحياة، فيصيروا بذلك سلسي القياد للرسالة التي اضّلعوا بها في الروح القدس. ويجد الكهنة المثال العجيب لسلاسة الانقياد هذه في القديسة مريم العذراء، فانها بقياد الروح القدس أعطت ذاتها كلّها لسرّ افتداء البشريّة، وبصفة كونها أمّ الكاهن الأعظم، وسلطانة الرسل، والسند في الخدمة الرعائية، لهل على الكهنة حقّ التعبّد البنوي، بالاضافة الى احترامهم وحبّهم.

وعليهم أن يحرصوا على التحدّث، كلّ يوم، مع المسيح الرب في خلال الزيارة والعبادة الشخصية للافخارستيا المقدّسة، وينبغي أن يحبّبوا ازمنة الرياضة، ويحرصوا على الاسترشاد الروحي. وان كثيرا" من الوسائل، ولا سيّما طرائق التأمّل المقرّرة، ومختلف أنماط الصلاة.

الحياة الثقافية

في مساق الرسامة يدعو الاسقف الكهنة الى "اقامة الدليل بالعلم على النضج"ØŒ وأن "يكون تعليمهم دواء روحيّا" لشعب اللّه". فهذا العلم في خادم الأقداس يجب أن يكون مقدّسا" هو أيضا". وهذا العلم المستقى اولا" من قراءة الكتاب المقدّس والتامّل فيه يجد أيضا" غذاء" مثمرا" في دراسة الاباء، معلّمي الكنيسة، وسواهم من شهود التقليد. يجب على الكهنة ان يكون لهم اطّلاع جدّي على  وثائق السلطة التعليميّة، ولا سيّما وثائق المجامع والبابوات.

الحياة المادية: تأمين الاجر العادل للكهنة

إن الكهنة، بينما يقدمون ذواتهم لخدمة الله في الوظيفة الموكولة إليهم، لأهل أن يتقاضوا أجرة عادلة، لأن "العامل يستحق أجرته"

 

إن هذا المجمع المقدس، وإن تطلع إلى أفراح الحياة الكهنوتية فلا يقدر أن يتجاوز الصعوبات التي يتحملها الكهنة في أيامنا هذه. وهو يعلم أيضاً أن الظروف الإقتصادية والإجتماعية قد تبدلت، وتغيرت عادات البشر ونظام القيم في نظرهم. ولذا خدام الكنيسة والمؤمنون يشعرون مراراً بأنهم غرباء في هذا العالم، ويفتشون بقلق عن الوسائل الناجحة وعن الكلام الذي يمكنهم من الإتصال به. فالحواجز الجديدة أمام الإيمان وقحط العمل الرسولي الظاهر والعزلة القاسية التي يختبرونها، تضعهم في خطر الإرهاق النفساني. أما العالم الذي تعنى به اليوم محبة رعاة الكنيسة وخدمتهم، فلقد أحبه الله لدرجة أنه أعطى ابنه الوحيد ليفتديه. وفي الحقيقة أن هذا العالم الذي تثقله خطايا عديدة، وينعم بطاقات غير يسيرة، يقدم للكنيسة حجارةً حية تُبنى معاً مسكناً لله في الروح. والروح القدس نفسه الذي يدفع الكنيسة لتفتح في سيرها إلى عالم اليوم طرقاً جديدة، ينبه الكهنة ويشجعهم على أن يطبقوا خدمتهم على عقلية العصر. وليتذكر الكهنة أنهم لا يمارسون وحدهم العمل الموكول إليهم. بل أنهم يرتكزون على قدرة الاله القوي العظيم.