Khazen

 

اللغة، عامل توحيد أم انقسام؟

 


 

لا شك في أن اللغة هي عنصر أساسي في تكوين هوية الشعوب والإثنيات. فالشعب الذي يخسر لغته، يخسر تنوعه وتميزه عن باقي الشعوب. كما وأنها كانت عبر العصور والأجيال أداة لبناء المشاريع القومية، فالعديد منها ارادت ولاتزال تريد أن تبني كياناً مستقلاً لذاتها انطلاقاَ من لغتها.

فاللغة كانت ولم تزل عتصر توحيد. فالعديد من الدول بنت وحدتها انطلاقاً من توحيد اللغة. ففي فرنسا مثلاً، ألزم فرنسوا الأول استعمال اللغة الفرنسية مكان اللاتينية في المراسيم التشريعية. فهذا الإجراء بدأ بإضفاء جو من التميز والوحدة الوطنية. وأيضاً، إن الإتحاد السوفياتي هو خير مثال، فهذا الأخير ألزم الشعب تعلم اللغة الروسية، فكما نعرف، أن السوفيات شكلوا أعراق وإثنيات مختلفة. بهذا الإجراء أي تعليم الروسية، يزيل شيئاَ فشيئاَ الخصوصية اللغوية لهذه الشعوب المختلفة لإدخالها ضمن لغة واحدة موحدة. ففي ألمانيا النازية، كان ممنوع التكلم بغير اللغة الألمانية. إنّ الدول ذات التعددية اللغوية، وللخروج من المشاكل الناتجة عنها. تبنت استعمال لغات دولية، ففي إفريقيا مثلاً، تبنت بعض الدول لغة المستعمر السابق، كالإنكليزية أو الفرنسية. ولكن للتعددية اللغوية داخل البلد الواحد مشاكل خطيرة، ففي بلجيكا مثلاً، تشكل اللغة عنصر ومادة دسمة للصراع، فهنالك من يتكلم الوالون (wallon) ومنهم من يتكلم الفلامان (Flamand). فوحدة البلد عن طريق اللغة ضروري لهذا الأخير لتأمين اسقراره. فتبقى عنصر وأداة قوة. ففي القرن السابع، حاولت اللغة العربية بالتزامن مع الدين الإسلامي بسط السيطرة لغوياً على العالم ونجحت بشكل كبير عامة وفي الشرق الأوسط وإفريقيا خاصة. ويعتبر البعض أن اللغة العربية هي الرباط الهام الذي يربط العرب ويجعلهم أمة واحدة من المحيط إلى الخليج. ففي يومنا هذا، استطاعت الإنكليزية جعل نفسها اللغة العالمية الأولى وذلك لأسباب عديدة أهمها التطور والإقتصاد.

 

 

 

 

إن قوة القرابة باللغة، كرابط اجتماعي، هي دون شك أقوى من قرابة العرق. فاللغة هي عامل توحيد قابل لخلق صلة قرابة روحية وتقارب ثقافي. إن لغة مشتركة تساعد على خلق طريقة تفكير، ثقافة وإديولوجية واحدة.

إن اللغة الواحدة ليست بدورها عاملاً حاسماً في الوحدة، إذ يلاحظ رينان (Renan) أنّ "اللغة، تدعو إلى التوحيد لكن لا تجبر عليه". كم من الأمم المتعددة اللغات، نراها متحدة بقوة مثل سويسرا وكندا. وعلى العكس من ذلك،  إنّ العديد من الشعوب نراها تتخاطب بلغة واحدة ومع ذلك لا تؤلف أمة واحدة: البريطانيون والأميركيون الشماليون،  الإسبان وأميركيو الوسط والجنوب، البرتغاليون والبرازيليون. أما في العالم العربي، فنرى اللغة مشتركة ومع ذلك تؤكد التجمعات الجغراقية المتباينة كل يوم أكثر فأكثر روحها الوطنية وشخصيتها الخاصة. ولم تستطع لغة الإسلام توحيد الشعوب المختلفة إلاّ على الصعيد الديني الذي يبقى الرباط القوي الجامع.

إن الأنظمة العربية جمعاء، كانت ولاتزال تنادي بالوحدة الشاملة ودرجت سابقاً على تعيين وزير يسمى وزير الوحدة، و قام بعضها بمحاولات عديدة لإقامة وحدة بين نظام وآخر أو بين دولة وأخرى والتي باءت كلها بالفشل. فنسأل أين أصبحت وحدة مصر وسوريا في العام 1958 وبعدها وحدة العراق والأردن، ثم مصر وليبيا وليبيا وسوريا وليبيا وتونس؟ فكل هذه الدول ناطقة بالعربية. وأيضاً، أين أصبحت السوق العربية المشتركة؟ وأين أصبح الدفاع العربي المشترك؟ لو أن اللغة العربية تشكل عنصراً كافياً للوحدة السياسية بين البلدان الناطقة عربياً، لما كنا شهدنا الحرب العراقية الكويتية، فكلاهما يتكلم العربية ومسلم. أو ليست الجامعة العربية منتدى العرب والحاضن لهم. أو ليس كل أعضائه منتمين إلى لغة واحدة هي العربية؟. أحد أهم قوانينها أو بنودها مقاطعة إسرائيل إقتصادياً وعدم التطبيع معها. في المقابل، نرى أن مصر والأردن قد وقعتا معاهدة للصلح معها و باقي الدول سائرة على نفس الدرب. فمن يتقيد بقرارات هذه الجامعة وعلى من تمون؟ أيضاً وأيضاً، و من خلال قراءتنا لتاريخ القمم العربية أو مقررات الجامعة العربية، نرى أنها دون جدوى وغير نافذة بسبب الإنقسامات الحادة والتباينات داخلها. فهنالك تناقض في المصالح والرؤيا لكل دولة عربية، فمنهم من هو موالٍ للغرب والولايات المتحدة ومنهم من يزال يقود جبهة الممانعة ومنهم من يطبع مع إسرائيل ومنهم مارال يقاومها حتى يومنا هذا

وخلاصة القول أنه وحتى ولو كانت اللغة العربية عنصراً جامعاً بين العرب غير أنها لا تشكل مادة للوحدة السياسية بينها.