Khazen

بقلم الشيخ وديع الخازن   في  الظاهر تبدو “انتفاضة” وزير الشؤون الامنية السابق في حكومة محمود عباس (أبو مازن) محمد دحلان على تفرّد الرئيس ياسر عرفات بالسلطة، صراعاً من اجل تغيير الواقع السلطوي الذي يشكو من الفساد. غير أن الفساد المستشري في ادارات هذه السلطة ليس اكثر من واجهة يستخدمها معارضو التحكم العرفاتي لتجريد “أبو عمار” من صلاحيات للسيطرة على الاوضاع.


فالصراع على السلطة ليس ابن ساعته بل هو وليد تراكمات منذ اكثر من سنة بعد الانتخابات الداخلية في “فتح” التي حصلت في قطاع غزة، وأفرزت بروز تيار دحلان تحت شعار “التيار الاصلاحي”.


وساعد في تقوية هذا التيار الغليان الشعبي ضد الفساد. غير أن المفارقة في هذه الازمة أنها جاءت بُعيد إتهام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن السلطة بالفساد والرئيس ياسر عرفات بالسكوت عن هذا الفساد او على الاقل بوضع حد لاستشرائه ووضع نهاية لـ”الارهاب”. ولعل هذا “التوقيت” يدخل في اطار الهواجس القيادية الفلسطينية في الاستحقاقات المطروحة على الوضع الفلسطيني، وخصوصاً بعد اقتراب موعد انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من قطاع غزة. فهل ثمة صلة ما بين التبرّم الشعبي من حكم يشكو الفساد ومن انتقاد دولي على لسان الأمم المتحدة لهذه السلطة؟


من السابق لأوانه افتراض رابط ما في التوقيت وإن لم يكن “مصادفة”، بل كان عنصراً من عناصر التأجيج ضد سلطة عرفات المتساهلة مع حال الخراب داخل النظام الفلسطيني. غير أن المستغرب في هذه الاحداث الدرامية اعتمادها ظاهرة الخطف المقنع بسلاح شرعي حتى تحولت مسرحاً مصغراً لما يشبه الحرب الاهلية. مع أن ما جرى، في حقيقة أمره، لا يعدو كونه صراع نفوذ ومصالح داخل حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية.


بيد أن لهذه الحوادث، على شدتها وخطورتها، سوابق منها الاعتداء على قائد الشرطة الفلسطينية في مكتبه وآخرها إنقلاب على تعيين موسى عرفات، ابن شقيق ياسر عرفات، على رأس أجهزة الامن، مما حمل معارضي عرفات على الخروج بأسلحتهم للاعتراض على ذلك.


وجاءت محاولة اغتيال النائب والوزير السابق نبيل عمرو، وهو وجه بارز في الحياة السياسية الفلسطينية، ليصب الزيت على نار الخلافات والصدامات.


ولكن هل هدأت زوبعة الاحداث في الاراضي الفلسطينية؟


يبدو من التظاهرات الاخيرة في غزة، والتي شارك فيها آلاف المواطنين، ان السلطة في ورطة ما بعدها ورطة، وخصوصاً ان المتظاهرين حملوا لافتات تطالب باصلاحات جذرية تقضي على الفساد والفاسدين. وقد تنتقل هذه التظاهرات الى الضفة الغربية التي شهدت فوضى أواخر نيسان عام 2002 إثر الاجتياح الاسرائيلي لها، وخصوصاً بعد اغتيال شقيق رئيس بلدية نابلس غسان الشكعة وانتشار ظاهرة المجموعات المسلحة، فضلاً عن قتل فلسطينيين في رام الله وضرب مسؤولين في السلطة كياسر عبدربه وحسن عصفور.


واذا  انتقلت هذه النار الى الضفة، فإنها ستنذر حتماً بإنفجار قد يفضي الى استبعاد عرفات بعدما عجزت الحكومة الاسرائيلية عن إبعاده بالنفي او بالاغتيال تحت ضغط الادارة لاميركية. كل هذه المؤشرات تنبئ ببداية العدّ العكسي ونهاية فصل طويل من قيادة عرفات الخارجية والداخلية للثورة وللسلطة الفلسطينية معاً.